تكتب سمية غنوشي أن النار التي تشعلها الإمارات في المنطقة لن تبقى بعيدة عن بيتها طويلاً. في الفاشر، شمال دارفور، يلتقط طفل دميته الملطخة بالرماد أمام أنقاض منزله، بينما يحفر الآباء قبور أبنائهم بأيديهم، وتنتظر الأمهات في ممرات المستشفيات آخر ضربة من طائرة مسيّرة. بعد حصار دام ثمانية عشر شهرًا، لم تدخل المدينة يد محرّرة، بل آلة فناء. خلف هذه المجازر يقف راعٍ إقليمي واحد تتسخ أصابعه بدماء السودان: الإمارات العربية المتحدة.
يذكر تقرير كتبته سمية لميدل إيست آي أن القوات شبه العسكرية المعروفة بـ«قوات الدعم السريع» كانت الأداة المنفذة، بينما اليد التي تديرها هي أبوظبي، التي موّلت وسلّحت وقدّمت الغطاء السياسي لزعيمها محمد حمدان دقلو (حميدتي). عبر حدود تشاد وليبيا، وعبر قواعد إماراتية في أرض الصومال، تتدفق الأسلحة والأموال لتغذية حرب مزّقت السودان وشرّدت الملايين.
تعود جذور الدعم السريع إلى عهد عمر البشير، حين أنشأها ذراعًا أمنية لقمع دارفور، ثم دمجها في الجيش من دون تجريدها من استقلالها. بعد سقوط البشير في 2019، صعد حميدتي إلى قمة السلطة، ثم انقلب على الجيش في 2023، مدفوعًا بأموال الخليج وسلاحه. هكذا تحوّلت الثورة السودانية من حلم بالحرية إلى حرب بالوكالة.
تكشف غنوشي أن الإمارات لم تكتفِ بتأجيج الحرب في السودان، بل حوّلتها إلى حلقة جديدة في حملتها الواسعة ضد أي مشروع ديمقراطي عربي. فمنذ الربيع العربي، شنّت أبوظبي ما تسميه «حملة مضادة للثورات» لدفن أي أمل في التغيير. موّلت الانقلاب في مصر وأعادت الحكم العسكري إلى القاهرة، دعمت استيلاء قيس سعيد على السلطة في تونس، وسلّحت خليفة حفتر في ليبيا بخرق واضح لحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة. كل ذلك تحت شعار «الاستقرار»، بينما الحقيقة هي هندسة الفوضى وصناعة الطغاة الجدد.
في السودان، تكرّر السيناريو الليبي واليمني. أظهرت تحقيقات ميدل إيست آي أن طائرات شحن إماراتية تهبط سرًا في بوصاصو بالصومال محمّلة بأسلحة ومرتزقة كولومبيين، ينقلون لاحقًا إلى دارفور للقتال إلى جانب قوات حميدتي. هذه ليست مغامرات فردية، بل مشروع منظم لتفكيك الدول وتحويلها إلى مناطق نفوذ تابعة.
تربط الكاتبة هذا المشروع بمخططات أخرى في غزة، حيث تُتهم الإمارات بالمشاركة في خطة إسرائيلية لبناء ما يسمى "المدينة الإنسانية" في رفح الشرقية، لإيواء نحو 600 ألف فلسطيني—أي حبسهم في معزل مغلف بشعارات الإغاثة. بنت الإمارات ست محطات تحلية مياه في العريش المصرية لخدمة العدد نفسه من السكان، في ما يبدو أنه تجهيز لبنية احتجاز جماعي أكثر منه مشروعًا إنسانيًا.
وفي الوقت الذي أغلقت فيه معظم شركات الطيران رحلاتها إلى تل أبيب، واصل الطيران الإماراتي رحلاته، محوّلاً نفسه إلى شريان دعم لوجستي لإسرائيل في ذروة عدوانها على غزة. عبر اتفاقات تجارية ونقل بري من الهند إلى حيفا مرورًا بالإمارات، حافظت أبوظبي على حركة التجارة الإسرائيلية رغم الحرب.
ترى غنوشي أن التحالف بين إسرائيل والإمارات تجاوز الاقتصاد إلى الأيديولوجيا. كلاهما يوظّف المال والدعاية لتشويه الثورات العربية وتفكيك المجتمعات. شركات إسرائيلية تفتح فروعًا في الإمارات لتبادل التكنولوجيا العسكرية والمراقبة، فيما تتفاخر أبوظبي بـ«نموذجها التنموي» القائم على الثراء من دون حرية، والحداثة من دون ديمقراطية.
لكن خلف واجهة الأبراج والأسواق اللامعة، يكمن نظام يخاف التغيير، ويبني أمنه على قمع الآخرين. فالإمارات، بحسب الكاتبة، تحاول شراء الاستقرار بالنفط والسلاح، لكنها تغفل عن حقيقة تاريخية: من يشعل الحروب لا ينجو من شرارتها.
الإمارات ليست إمبراطورية، بل دولة صغيرة تتوهم العظمة. تشنّ حروبًا تفوق طاقتها، وتخلق أعداء يفوقون قدرتها على السيطرة. فالنار التي أحرقتها في السودان وليبيا واليمن ستجد طريقها إلى الداخل عاجلاً أم آجلاً. فكل من يبني مجده على رماد الآخرين، ينتهي محاطًا بدخانه.
https://www.middleeasteye.net/opinion/money-mercenaries-propaganda-israel-uae-are-inevesting-regional-chaos-how

